الشعبوية وخطابة دغدغة عواطف الجماهير

سايد فرح Sayed Farah

الشعبوية populism أيديولوجية أو فلسفة سياسية أو نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم الديماغوجية ودغدغة عواطف الجماهير بالحجاج الجماهيري لتحييد الخصوم من القوى الاخرى. حيث يعتمد بعض المسؤولين على الشعبوية لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من السياسات، وللحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية. وعكس الشعبوية هو تقديم المعلومات، الأرقام والبيانات بمخاطبة العقل لا العواطف، لذلك عادة ما يتم وصف الشعبويين بأنهم يتبعون معاداة الفكر أو يمارسون عبادة الجهل.

ومن أكبر النتائج الكارثية للشعبوية هو قدرتها على اقناع عدد كبير من الشعب وغالباً ما يشكلون الأكثرية للقبول بالسلطة المطلقة للفرد أو لمجموعة من الزعماء.

ومع قدوم عصر النهضة والتنوير الأوروبي وصعود الحداثة حَوَّلَتِ الثورة الفرنسية “عامة الشعب” من متفرجٍ إلى عنصرٍ فاعلٍ في المشهد العام. وعلى خلاف الثورات الأنكلوفونية في بريطانيا أو الولايات المتحدة التي حافظتْ على مُكَوِّنٍ برجوازيٍ مُتَرَابِطٍ ومُنْسَجِمٍ مع الثورة، فقد اتبعت الثورة الفرنسية مقاربةً راديكاليةً وشعبوية. ومع أنها أسّستْ لقطيعةٍ مهمةٍ مع الموروث الاجتماعي والفكري السائد في “النظام القديم” إلا أنها انزلقتْ في ممارساتٍ وسلوكٍ إقصائيٍّ وانتقاميٍّ فَقَدَ الكثيرون رؤوسَهُم بسببه، ما أفضى إلى عقودٍ من الاضطراب، وسمح بالنتيجة بظهور مستبدين جُدُد تسلّقوا على أكتاف “الشعب”، في “عصر الجموع” الذي تم فيه «انتزاعُ الحقِّ الإلهيِّ من المَلِكِ وإلباسُه “للشعب” ليُضْفِي على ما يقوله “الشعب”»

مصدر هذا المقال ويكيبيديا

ظهرت الشعبوية في ثلاثينات القرن العشرين وخاصة في أمريكا اللاتينية، حيث برزت الوجوه الأكثر شعبية نتيجة سياسات حكومات ضعيفة وفاسدة، والأكثر شهرة هي التجربة التي خاضها الزعيم خوان دومنغو بيرون والخطابات النارية لزوجته ايفيتا.

واستحكمت السياسات الشعبوية الجاذبة للجماهير في العالم العربي منذ أواخر الأربعينات ووصلت أعلى مستوى لها مع بروز الآيديولوجية الناصرية في مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر. وعلى عكس ما مهو حال باقي التجارب الأخرى، انجذب للناصرية الكثير من المثقفين بل وحتى رجال الأعمال أكثر من الجماهير الفقيرة.

توالت الحركات الشعبوية في سياق البيرونية ولكن باسم مبادئ متناقضة وصولا إلى الزمن الراهن: في الإكوادور حيث أقترح الرئيس عبد الله بوكرم بين 1996-1997 تشكيل “حكومة من الفقراء” وهو محاط بأكبر أثرياء البلاد، أو أيضا مع الرئاسة “الاجتماعية” لهوغو شافيز في فنزويلا، فلقد نجح في توحيد وتوجيه موجة شعبية عاتية كانت ترفض فساد الطبقة السياسية وتتحرك للتغيير.

معاني الشعبوية متضاربةٌ، تتراوح بين الرومانسية الثورية والدُّونِيّة السياسية، لكن ما يجمع معظم دُعاة الشعبوية: مقاربتهم التبسيطية في استخدامهم لمفردة “الشعب”، وادعاؤهم أنهم صوت وصدى وضمير هذا “الشعب”، فضلاً عن احتكارهم لتمثيله من دون مراعاة مفاهيم التفويض والتعاقد السليم، وتركيزهم على خطابٍ عاطفيٍّ يفتقر للرؤى الواضحة، مع ترويجهم، المباشر أو غير المباشر، لعداء الفكر .

والخطاب الشعبوي هو خطابٌ مُبْهَمٌ وعاطفي، لا يعتمد الأفكار والرؤى، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى تماماً أو يتطابق مع المزاج السائد أو يختاره صُنّاع الخطاب ليبدو على أنه سائد، من دون أن يفيد، من ناحيةٍ أخرى، في التعامل الجدّي والمسؤول مع المشاكل الواقعية. ويُكْثِرُ الخطاب الشعبوي من التركيز على وردية الحلم وتبسيط الأمور في شكلٍ مسرحيٍّ كرنفاليٍّ، مع الإحالة إلى التاريخ الذي يتم استحضاره واستخدامه كوسيلةٍ إيديولوجيةٍ ذات عمقٍ انفعالي.

الديماغوجي يهدف إلى تضليل الآخرين بينما الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه

ويرى الباحث الفرنسي بيير أندريه تاغييف أنه من الخطأ مساواة الشعبوية مع الديماغوجية. فالديماغوجي يهدف إلى تضليل الآخرين بينما الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه. ويقول الباحث بأن للشعبوية عدداً من الخصائص الأولية. أولها أنها تمثل ثورة ضد النخبة. وهي تزعم أن السياسة هي شيء سهل ويمكن إدراكها بالنسبة للجميع وأن اعتبارها معقدة يعود إلى مكيدة وضعها النخبويون لإبقاء المواطنين العاديين خارج عملية صنع القرار. ويرى تاغييف أن معظم جمهور الخطاب الشعبوي من الأميين والفقراء خصوصا في المناطق الحضرية، وهي الشريحة التي وصفها كارل ماركس بنبرته النخبوية المترفعة بـ البروليتاريا الرثة أو بقاع المجتمع.

ممّا تقدّم نرى بأن الشعبوية قد تستهدف جميع مكونات الشعوب وفي ايامنا هذه نرى العديد من القوى المحلية والاقليمية والدولية تلجأ للشعبوية واعطيكم مثال الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة حيث استهدفت حملة ترامب مشاعر المستائين من النُخب الليبرالية وشعاراتها الاصلاحية عبر شعار

make America great again

ووعودات لا تمت لمشاكل الواقع بصِلة ولا تقدّم حلول فعليّة او مستدامة لشيء وبالتناوب ايضاً الحملة المقابلة لم تملك برنامج حقيقي ولجأت للشعارات.

متن المقال #منقول_بتصرّف

بواسطة: سايد فرح Sayed Farah

رأي واحد حول “الشعبوية وخطابة دغدغة عواطف الجماهير

التعليقات مغلقة.